آخر الأحداث والمستجدات 

مؤلّف جديد يعيد النقاش حول الساحات التراثية المغربية : ساحة الهديم نموذجا

مؤلّف جديد يعيد النقاش حول الساحات التراثية المغربية : ساحة الهديم نموذجا

قبل أن نودع سنة 2024م، استقبلت رفوف الخزينة الإسماعيلية مؤلفا جديدا، خص به الأستاذ محمد البركة أحد التاريخية الشهيرة بمكناس وهي ساحة الهديم. وبيّنٌ من العنوان "ساحة الهديم بمكناس: مستودع التاريخ والثقافة" أن أستاذ التاريخ بجامعة مولاي إسماعيل أصرّ على تقديم طرح جديد في تناوله لمثل هذه العناصر التراثية الثرية. لقد تجاوز هذا المؤلَّف الصادر عن مركز رقي، الجانب الوصفي والجرد التاريخي لما مرّ بهذه الساحة، إلى بناء تصور عن المفهوم التاريخي للمكان، كفضاء حي ومتجدد لا تزيده عقارب الزمن إلا ثراء وتعقيدا في ذات الحين. وفي سياق ذلك اقترح البركة إطارا فكريا ومنهجيا خاصا في المقاربة العلمية والتهيئة الترابية لمثل هذه العناصر الرمزية. 

 

وفضلا عن سبق المؤلف في إفراد هذا الموضوع بالتأليف "ساحة الهديم"، ثم ما تسلح به من جرأة في اقتحام ما ظل محط خلاف ونزاع، وكذا ما يتسم به هذا الفضاء العمومي المكناسي من غنى في الوقائع لم تزده السنوات إلا ثراء ... فإننا وجدنا هذا المؤلف مميز من حيث الأوجه التالية:

 

- الأسلوب المميز لصاحبه، والذي يأخذك حيث شاء وكيف شاء، حيث يجمع بيانه بين القصد وبديع الصنعة، بعيدا عن أي فدلكة لغوية تئن تحت وطأتها العديد مما قرأت من كتب التاريخ.

 

- اقتراحه رؤية منهجية بديعة في التعاطي مع العناصر التراثية، وقد لخصها في ضرورة الجمع بين المقاربة الوصفية في استقراء ما احتضنته الساحة على مر العصور، والمقاربة الوظيفية التي تجيب عما نريده أن تكون عليه اليوم هذه المعلمة، بما يناسب إنسان هذا الزمان وإشكالات زمان هذا الإنسان. ومن جهة أخرى اقترح الباحث، من أجل فهم سليم لذه الساحة، عدم انتزاعها عن نسقها العمراني المحيط بها، أي ضرورة التسلح بمقاربة نسقية.

 

- تقديمه لأجوبة، في جزء منها، يعارض الرؤية الأخيرة لتثمين هذه المعلمة، وهو ما سيعيد، في توقعنا، النقاش العمومي حول هذه المعلمة ويجدد طرح ذلك السؤال الأزلي ما درجة انفتاح المدبر المحلي على الفاعل الأكاديمي، وهو نقاش مهم وضروري وصحي، حتى أني أفضل أن يتم وضع هذا السؤال في سياقه العام وإطاره الشامل، فنقول: هل التدبير الترابي تدبير ديمقراطي، وهل نحن ننتج مجالاتنا التي نريدها كما نريدها؟ ولما هذه التوجسات والتكتمات والتحنيطات التي تصحب قراءة ماضينا واستثماره؟ وما كلفة ذلك؟

 

يبدو أن الكاتب أناخ عنه عبئا يخلي به مسؤوليته بل واجبه العلمي، وبقي الباقي على الفضاء العمومي للمدينة.

 

-              المساهمة، عبر المدخل التاريخي، في بيان حقيقة الفضاء العمومي الإسلامي، والذي

 

تبيّن أنه ليس كما تتصوره الكتابات الاستشراقية ممن نفت وجوده أو شوّهت حقيقته، من هابرماس إلى كارل ويتفوغل وبراين تيرنر ومايكل كورتيس وأوجين ويرث ... وغيرهم ممن رأوا أن المجتمع الإسلامي كان خاليا من المجالات المدينية التي تمكّن الأفراد والمجموعات من العمل المستقل لأجل الصالح العام. في حين شدّد البركة على أن ساحة الهديم لم تظل مشورا سلطانيا؛ إذ سرعان ما حملت على عاتقها أدوار مجتمعية وقيمية ومواطناتية مهيكلة للمجال والمجتمع المكناسيَيْن.

 

من جهة أخرى فإننا نلحظ على هذا الملاحظة التالية:

 

- إن الرؤية النسقية التي انتصر لها الأستاذ البركة، نعتقد أنها تستدعي إطارا أوسع بأن تنخرط تخصصات علمية أُخرٌ في إضاءة ذات الموضوع من جانبها، فاختلاف زوايا النظر تقاطعا وتباينا يثير ويقدم أجوبة أكثر اعتدالا واتزانا. وفي غياب ذلك، ندعو إلى تلقّف هذه المبادرة من قبل مختلف الحقول العلمية والفعاليات المدنية لإثراء النقاش العلمي/ المنهجي والعمومي والتدبيري لقضايانا وعناصرنا التراثية.

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : حنين الهندي
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2024-12-16 20:37:00

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك